الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
وثغر شتيت أي مفلج. وقوم شتى، وأشياء شتى، وتقول: جاءوا أشتاتا، أي متفرقين، واحدهم شت، قاله الجوهري. قوله تعالى: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ} 20: 54 أمر إباحة. {وَارْعَوْا 20: 54} من رعت الماشية الكلا، ورعاها صاحبها رعاية، أي أسامها وسرحها، لازم ومعتد. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى} أي العقول.الواحدة نهية. قال لهم ذلك، لأنهم الذين ينتهى إلى رأيهم.وقيل: لأنهم ينهون النفس عن القبائح. وهذا كله من موسى احتجاج على فرعون في إثبات الصانع جوابا لقوله: {فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى 20: 49}. وبين أنه إنما يستدل على الصانع اليوم بأفعاله. قوله تعالى: {مِنْها خَلَقْناكُمْ} 20: 55 يعني آدم عليه السلام لأنه خلق من الأرض، قاله أبو إسحاق الزجاج وغيره.وقيل: كل نطفة مخلوقة من التراب، على هذا يدل ظاهر القرآن.وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من مولود إلا وقد ذر عليه من تراب حفرته» أخرجه أبو نعيم الحافظ في باب ابن سيرين، وقال: هذا حديث غريب من حديث عون لم نكتبه إلا من حديث أبي عاصم النبيل، وهو أحد الثقات الاعلام من أهل البصرة. وقد مضى هذا المعنى مبينا في سورة الأنعام عن ابن مسعود.وقال عطاء الخراساني: إذا وقعت النطفة في الرحم انطلق الملك الموكل بالرحم فأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق الله النسمة من النطفة ومن التراب، فذلك قوله تعالى: {مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى 20: 55}.وفي حديث البراء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن العبد المؤمن إذا خرجت روحه صعدت به الملائكة فلا يمرون بها على ملا من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا فيستفتحون لها فيفتح فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: {اكتبوا لعبدي كتابا في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإنى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى} فتعاد روحه في جسده» وذكر الحديث. وقد ذكرناه بتمامه في كتاب {التذكرة} وروى من حديث علي رضي الله عنه، ذكره الثعلبي. ومعنى {وَفِيها نُعِيدُكُمْ 20: 55} أي بعد الموت {وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ 20: 55} أي للبعث والحساب. {تارَةً أُخْرى} يرجع هذا إلى قوله: {مِنْها خَلَقْناكُمْ 20: 55} لا إلى {نعيدكم}. وهو كقولك: اشتريت ناقة ودارا وناقة أخرى، فالمعنى: من الأرض أخرجناكم ونخرجكم بعد الموت من الأرض تارة أخرى.
وقال أبو عبيدة والقتبي: وسطا بين الفريقين، وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابر الحنفي: والفزر: سعد بن زيد مناة بن تميم.وقال الأخفش: {سوى} إذا كان بمعنى غير أو بمعنى العدل يكون فيه ثلاث لغات: إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعا. وإن فتحت مددت، تقول: مكان سوى وسوى وسواء، أي عدل ووسط فيما بين الفريقين. قال موسى بن جابر: البيت.وقيل: {مَكاناً سُوىً 20: 58} أي قصدا، وأنشد صاحب هذا القول: وتقول: مررت برجل سواك وسواك وسوائك أي غيرك. وهما في هذا الامر سواء وإن شئت سواءان. وهم سواء للجميع وهم أسواء، وهم سواسية مثل ثمانية على غير قياس. وانتصب {مكانا} على المفعول الثاني ل {جعل}. ولا يحسن انتصابه بالموعد على أنه مفعول أو ظرف له، لان الموعد قد وصف، والأسماء التي تعمل عمل الافعال إذا وصفت أو صغرت لم ينبغ أن تعمل لخروجها عن شبه الفعل، ولم يحسن حمله على أنه ظرف وقع موقع المفعول الثاني، لان الموعد إذا وقع بعده ظرف لم تجره العرب مجرى المصادر مع الظروف، لكنهم يتسعون فيه كقوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود: 81] و{مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ 20: 59}. واختلف في يوم الزينة، فقيل هو يوم عيد كان لهم يتزينون ويجتمعون فيه، قاله قتادة والسدي وغيرهما.وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: كان يوم عاشوراء.وقال سعيد بن المسيب: يوم سوق كان لهم يتزينون فيها، وقاله قتادة أيضا.وقال الضحاك: يوم السبت.وقيل: يوم النيروز، ذكره الثعلبي.وقيل: يوم يكسر فيه الخليج، وذلك أنهم كانوا يخرجون فيه يتفرجون ويتنزهون، وعند ذلك تأمن الديار المصرية من قبل النيل. وقرأ الحسن والأعمش وعيسى الثقفي والسلمى وهبيرة عن حفص {يوم الزينة} بالنصب. ورويت عن أبي عمرو، أي في يوم الزينة إنجاز موعدنا. والباقون بالرفع على أنه خبر الابتداء. {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} 20: 59 أي وجمع الناس، ف {- أَنْ} في موضع رفع على قراءة من قرأ: {يَوْمُ} بالرفع. وعطف {وَأَنْ يُحْشَرَ 20: 59} يقوي قراءة الرفع، لان {أَنْ} لا تكون ظرفا، وإن كان المصدر الصريح يكون ظرفا كمقدم الحاج، لان من قال: آتيك مقدم الحاج لم يقل آتيك أن يقدم الحاج. النحاس: وأولى من هذا أن يكون في موضع خفض عطفا على الزينة. والضحى مؤنثة تصغرها العرب بغير هاء لئلا يشبه تصغيرها ضحوة، قاله النحاس.وقال الجوهري:ضحوة النهار بعد طلوع الشمس، ثم بعده الضحا وهي حين تشرق الشمس، مقصورة تؤنث وتذكر، فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة، ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على فعل مثل صرد ونغر، وهو ظرف غير متمكن مثل سحر، تقول: لقيته ضحا، وضحا إذ أردت به ضحا يومك لم تنونه، ثم بعده الضحاء ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى. وخص الضحا لأنه أول النهار، فلو امتد الامر فيما بينهم كان في النهار متسع.وروى عن ابن مسعود والجحدري وغيرهما: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى 20: 59} على معنى وأن يحشر الله الناس ونحوه. وعن بعض القراء {وأن تحشر الناس} والمعنى وأن تحشر أنت يا فرعون الناس وعن الجحدري أيضا {وأن نحشر} بالنون وإنما واعدهم ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله، وظهور دينه، وكبت الكافر، وزهوق الباطل على رءوس الاشهاد، وفي المجمع الغاص لتقوى رغبة من رغب في الحق، ويكل حد المبطلين وأشياعهم، ويكثر المحدث بذلك الامر العلم في كل بدو وحضر، ويشيع في جمع أهل الوبر والمدر. قوله تعالى: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} 20: 60 أي حيله وسحره، والمراد جمع السحرة. قال ابن عباس: كانوا اثنين وسبعين ساحرا، مع كل ساحر منهم حبال وعصى.وقيل: كانوا أربعمائة.وقيل: كانوا اثنى عشر ألفا.وقيل: أربعة عشرا ألفا.وقال ابن المنكدر: كانوا ثمانين ألفا.وقيل: كانوا مجتمعين على رئيس يقال له شمعون.وقيل: كان اسمه يوحنا معه اثنا عشر نقيبا، مع كل نقيب عشرون عريفا، مع كل عريف ألف ساحر. وقيل كانوا ثلاثمائة ألف ساحر من الفيوم، وثلاثمائة ألف ساحر من الصعيد، وثلاثمائة ألف ساحر من الريف، فصاروا تسعمائة ألف وكان رئيسهم أعمى. {ثُمَّ أَتى} 20: 60 أي أتى الميعاد. {قالَ لَهُمْ مُوسى} أي قال لفرعون والسحرة {وَيْلَكُمْ} دعاء عليهم بالويل. وهو بمعنى المصدر.وقال أبو إسحاق الزجاج: هو منصوب بمعنى ألزمهم الله ويلا. قال: ويجوز أن يكون نداء كقوله تعالى: {يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا} [يس: 52] {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً} 20: 61 أي لا تختلقوا عليه الكذب، ولا تشركوا به، ولا تقولوا للمعجزات إنها سحر. {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ} 20: 61 من عنده أي يستأصلكم بالإهلاك.يقال فيه: سحت وأسحت بمعنى. وأصله من استقصاء الشعر. وقرأ الكوفيون {فَيُسْحِتَكُمْ 20: 61} من أسحت، الباقون {فيسحتكم} من سحت وهذه لغة أهل الحجاز والأولى لغة بني تميم. وانتصب على جواب النهي.وقال الفرزدق. الزمخشري: وهذا بيت لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه. {وقد خاب من افترى} أي خسر وهلك، وخاب من الرحمة والثواب من ادعى على الله ما لم يأذن به.
|